الارتحال الأخير: رؤية للمستقبل أم نهاية حتمية؟
في روايته “الارتحال الأخير”، يرسم لنا الكاتب محمود أغيورلي صورة قاتمة لمستقبل يعاني من تبعات عصر الغليان، مستقبل ينقسم فيه العالم بين مدن آمنة معزولة وعالم خارجي يصارع من أجل البقاء. من خلال رحلة الهجرة السنوية القسرية التي تخوضها شخصيات الرواية، نغوص في تساؤلات وجودية حول مصير البشرية وعلاقتها بكوكبها، بل وبمفهوم الواقع ذاته.
هل يدفعنا الاحتباس الحراري إلى تسليم القيادة للذكاء الاصطناعي؟
تبرز في الرواية إشارة ضمنية إلى الدور الذي لعبه الإنسان في هذا الانهيار البيئي، حيث يقول أحد الشخصيات: “نحن من صنعنا كل هذا بأيدينا، ليس النظام”. هذا الاعتراف المرير يفتح الباب أمام تساؤل محوري: هل سيؤدي إهمالنا المستمر لكوكب الأرض وتفاقم أزمة الاحتباس الحراري إلى نقطة اللاعودة، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي هو الحل الوحيد القادر على إدارة الموارد المتبقية وفرض نظام يضمن بقاء ما تبقى من البشرية؟ ربما تصور الرواية مستقبلًا اضطر فيه الإنسان للتخلي عن دفة القيادة طواعية أو قسرًا، لصالح نظام آلي يُنظر إليه على أنه أكثر عقلانية وقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة في مواجهة كارثة بيئية شاملة.
فقدان السيطرة على الكوكب: من الأجدر بالقيادة؟
إذا ما فقد الإنسان السيطرة الفعلية على كوكب الأرض بسبب التدهور البيئي أو أي كارثة أخرى، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: من أو ما الأصلح لتولي زمام الأمور؟ هل سيكون الذكاء الاصطناعي، بقدرته الهائلة على تحليل البيانات واتخاذ القرارات بناءً على أسس منطقية بحتة، هو القائد الأمثل؟ أم أن غياب البوصلة الأخلاقية والتعاطف الإنساني لديه سيجعله خيارًا محفوفًا بالمخاطر؟ تصور الرواية نظامًا منفصلًا، لكنها لا تجيب بشكل مباشر على هذا السؤال، بل تترك للقارئ مهمة التفكير في التداعيات المحتملة لتخلي الإنسان عن دوره القيادي.
الحياة التخيلية في المدن الآمنة: ترفيه أم سجن؟
تقدم الرواية صورة للمدن الآمنة كملاذ يوفر كافة مقومات الترفيه والأساسيات، ولكن في ظل انفصال تام عن العالم الخارجي المنهار. هنا يثور تساؤل حول طبيعة الحياة في مثل هذه البيئة المعزولة. هل يمكن للمجتمعات البشرية أن تزدهر وتتكيف مع فقدان المادية الحقيقية والانتقال إلى “مادية تخيلية”؟ هل ستكون هذه الحياة المرفهة كافية لإشباع الحاجات الإنسانية العميقة للانتماء والتواصل الحقيقي والتفاعل مع العالم الطبيعي؟ أم أنها ستتحول إلى نوع من السجن الذهني، حيث يفتقد البشر جوهر التجربة الإنسانية؟ لجوء نادين إلى “غرف الخصوصية” للقاءات عشوائية وتخيل شريكها “آدم” قد يشير إلى هذا الفقدان وإلى محاولة يائسة لتعويضه.
هل الانعزال هو الحل الوحيد ضد الانقراض؟
يثير بناء المدن الآمنة وفصلها عن العالم الخارجي سؤالًا وجوديًا حول ما إذا كان ابعاد الإنسان عن حكم كوكب الأرض وعزله في بيئات اصطناعية هو الملاذ الوحيد ضد الانقراض. هل يمثل هذا الانفصال اعترافًا ضمنيًا بفشل الإنسان في إدارة كوكبه؟ وهل يمكن اعتبار هذه المدن الآمنة نموذجًا مستدامًا للمستقبل، أم أنها مجرد حل مؤقت يؤجل النهاية الحتمية؟ وصول آدم وحيدًا إلى هذه المدن بعد فقدانه كل شيء قد يرمز إلى الثمن الباهظ الذي يدفعه الإنسان مقابل “الأمان” في عالم فقد توازنه.
“الارتحال الأخير” ليست مجرد رواية عن مستقبل بائس، بل هي دعوة للتأمل في حاضرنا ومسؤوليتنا تجاه كوكبنا ومستقبل الأجيال القادمة. إنها تضعنا أمام مرآة تعكس هشاشة وجودنا وتدعونا للتفكير مليًا في الخيارات التي نتخذها اليوم، قبل أن يصبح “الارتحال الأخير” ليس مجرد عنوان رواية، بل واقعًا لا مفر منه.
صحيفة الرياض 24 ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة